المغالطات المنطقية في الإدعاءات بوجود تناقضات في الكتاب المقدس. المقدمة وتعريف التناقض

5 years ago
27

مقدمة عفوية للدراسة التي ستتناول مجموعة من ٤٢٠ ادعاء بوجود تناقض في الكتاب المقدس ودحضها من خلال تبيان الأخطاء التي ارتكبها المعترض أثناء قرائته و تحليله للنص.
من المحتمل أنك قد سبق وسمعت في مرّاتٍ متعددّة الإدّعاء القائل بأنه ليس من الممكن الوثوق بالكتاب المقدَّس حيث أنَّه مليء ”بالتناقضات“. إلا أنَّ الحقيقة هي أننا حين نقوم بالاستقصاء وطلب تقديم الآيات التي يُفتَرض بأنها متعارضة بعضها مع بعض، سنجد أن معظم غير المؤمنين بالكتاب المقدَّس يقفون عاجزين عن تقديم أمثلة عن ذلك. الواقع أنَّهُ قد تناهى إلى مسامعهم بأنَّ الكتاب المقدَّس يناقض نفسه، وهم قاموا بتكرار هذه الإدعاءات متجاهلين الحاجة إلى التدقيق في مصداقيتها. هذا يُظهر بأن معظم ناقدي الكتاب المُقدَّس ليسوا مُهتَمِّين بالقيام بأي دراسات عقلانية لهذه الإدعاءات. إنما بشكل عاطفي هم لا يحبّون الكتاب المُقدَّس ولا يستسيغون تعاليمه الأمر الذي يدفعهم إلى اختيار عدم الإيمان به. ثم بعد ذلك وبطريقة غير نقديّة يقبلون أي تعارض يصل إلى مسامعهم لمجرَّد كونه يدعم موقفهم غير المدروس.
إن الشبكة العنكبوتية هي مكان جيد للعثور على أمثلة مشابهة لما سبق تقديمه، كما أنها تسمح لهؤلاء الناقدين غير الدارسين بأن يقوموا بتدعيم مواقفهم من خلال توصيلهم بمقالات مؤيّدة لتلك المواقف مُقدَّمة من قِبَل ناقدين آخرين غير مطلعين. ونجد بعض المواقع الإلكترونية تقوم بتقديم لوائح طويلة من الإدّعاءات بالتناقض بين آيات الكتاب المُقدَّس، وفي بعض الأحيان نجد أن هذه اللوائح تصل إلى عدة مئات من المُدخَلات وقوائم كهذه تكون مثيرة للإعجاب وقد تُعطي انطباعاً بأنها تُثبت موقف المُعارض للكتاب المُقدَّس من خلال المئات من التناقضات التي تقدِّمها. فكيف يُمكِن لأي شخص أن يثق بالكتاب المُقدَّس.
ونجد الكثير من الناقدين يستخدمون لوائح مُشابهة في سياق مناظراتهم عبر وسائل التواصل الإجتماعي على اعتبار أنها تُشكِّل دليلاً حاسماً يُفنِّد مصداقية الوحي المُقدَّس. ويعتقد الكثيرون بأنّ هذه المئات من التناقضات قد سبق وتمت دراستها بدقّة وأمانة علمية وأدبية للنص الكتابي وبالتالي فهي تمثّل تناقضات حقيقيّة،
ان ما سيتبيّن هو أن الحقيقة هي مختلفة عن ذلك بشكل كامل، وذلك بمجرد بذل القليل من الجهد في تقصّي الحقيقة وإجراء البحث والدراسة، والنتيجة ستكون أنه ليس ولا واحد من مُدخلات تلك القوائم يشكِّل تناقضاً حقيقيّاً. وفي معظم الحالات نجد أنَّ الناقد وبساطة شديدة لم يقم بقراءة النص بشكل دقيق ومتأنٍّ أو أنه قد أخرجه من سياقه الأدبي. وفي حالات أُخرى نجد أن الناقد قد قام بارتكاب أخطاء منطقية. وفي حالات أُخرى قد استخدم واستشهدَ بالفروقات التوافقية التي سنتعرض لها لاحقاً بأكثر تفصيل. إن هذا يقودنا إلى الإعتقاد بأنَّ بعض الناقدين قد فشلوا في فهم معنى ”التناقض“. وإنَّه لمن المفيد أن نقوم برحلة عبر مُدخلات هذه القوائم وخلال هذه الرحلة نقوم بقراءة دقيقة ومتأنّية لنصوص الكتاب المُقدَّس لمعرفة حقيقة ما يُقدِّمَهُ الكتاب المُقدَّس. هذا سوف يساعدنا على فهم النص المُقدَّس بطريقة أفضل. وهذه بركة إضافية نحصل عليها. كما أنَّ ثقتنا في الوحي المُقدَّس سوف تتثبَّت أكثر، من خلال إظهار فشل أفضل ناقدي الكتاب المُقدَّس في العثور على تناقض حقيقي احد. وهذا يكشف بأن الموقف الذي يتَّخِذه المعارضين برفضهم للوحي الإلهي في كلمة الله ليس موقفاً عقلانياً إنما هو موقف عاطفي تحرِّكَه مشاعر الكراهية تجاه الله. كما أن هذه القوائم التي تحمل مئات المدخلات تُظهر افتقار المعارضين للبحث الدراسي الجاد، وهي تؤكد الحقيقة التي وردت في رسالة رومية ١: ١٨-٢٥.
إن جميع هذه الإدّعاءات التي سيتم معالجتها قد سبق وتم استخدامها عبر الشبكة العنكبوتية. وفي الحقيقة إن اللوائح الشائعة التداول من قبل المعترضين ربما قد تحمل جميع هذه الإدعاءات. لكن الآن وقبل أن نخوض في غمار هذه الدراسة يجب أن نتوقف أولاً عند تعريف ماهية التناقض.
يمكن القول عن تصريحين أنهما متناقضين حين يقوم أحدهما بالتأكيد والآخر بالنفي. على سبيل المثال إن التصريح ”بكون السماء هذي زرقاء“ هو متعارض مع التصريح ”بأنَّ السماء ليست زرقاء“. وحين نقوم بجمع هذين التصريحين يتشكَّل لدينا تناقضاً بالشكل التالي: ”إنَّ السماء زرقاء وهي ليست زرقاء“. فيمكن لأي شخص أن يحول أي تصريح إلى تعارض من خلال إضافة النقيض.
إن التناقض بحسب علم المنطق يحدث عندما يكون لدينا الحدث ”أ“ والحدث ”ليس أ“ معاً في الوقت عينه وفي ذات العلاقة أو المعنى. ان الحدث ”أ“ هو أي ادّعاء بحقيقة مُعيَّنة، وهو ما ندعوه بحسب علم المنطق بالفرض. وأي فرض سيكون إمّا صحيحاً أو خاطئاً. والفرض المُعاكس سيكون ذو قيمة مُعاكسة. فإن كان لدينا الحدث ”أ“ صحيحاً فسيكون الحدث ”ليس أ“ خاطئاً والعكس كذلك، فإن كان الحدث ”أ“ ليس صحيحاً فإن الحدث ”ليس أ“ سيكون حقيقياً. والتناقض يحدث عند الجميع بين الحدثين ”أ“ و ”ليس أ“.
المؤَهِّل ”في الوقت عينه“ هو ذو أهمية كبيرة. فالقول بأن ”السماء زرقاء اليوم وهي لم تكن كذلك في الأمس“ ليس بتناقض، ذلك أنَّ الإدّعائين السابِقَين قد وقعا في زمانين مُختلفين. فبعض الأشياء تتغير مع مرور الوقت. فالحدث (أ) قد يكون صحيحاً اليوم في حين أن الحدث المضاد ”ليس أ“ سيكون صحيحاً في الغد. فعلى سبيل المثال، كان الله قد اشترط أن يتم ختان كل ذكر من أطفال اسرائيل في زمن العهد القديم (تكوين ١٧: ١٠-١٣) ولكن في وقت لاحق وفي ظل العهد الجديد لم يعد الختان مشروطاً (غلاطية ٥: ١-٦). ليس هنالك من تعارض بين كون الله قد اشترط الختان في وقت من الأوقات وأن الله لا يشترط الختان في في وقتٍ لاحق.
والمُؤَهّل الثاني هو ”أن يكون الحدثان في ذات العلاقة أو المعنى“ هو بالغ الأهمية أيضاً. فإنه ليس هنالك من تعارض بين كون الشخص ”غير مرتبطاً“ بمعنى عدم وجود زوجة و بين أن يكون الشخص ”مرتبطاً“ بعمله بحيث أنه ملتزم بعمله.

Loading comments...